فصل: فصلٌ فِي الرَّمْيِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي الرَّمْيِ:

(وَمَنْ سَمِعَ حِسًّا ظَنَّهُ حِسَّ صَيْدٍ فَرَمَاهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ بَازِيًا عَلَيْهِ فَأَصَابَ صَيْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ صَيْدٍ حَلَّ الْمُصَابُ) أَيَّ صَيْدٍ كَانَ، لِأَنَّهُ قَصَدَ الِاصْطِيَادَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الْخِنْزِيرَ لِتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ السِّبَاعِ، لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي جَلْدِهَا، وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ خَصَّ مِنْهَا مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، لِأَنَّ الْإِرْسَالَ فِيهِ لَيْسَ لِلْإِبَاحَةِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ: أَنَّ اسْمَ الِاصْطِيَادِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ فَوَقَعَ الْفِعْلُ اصْطِيَادًا، وَهُوَ فِعْلٌ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ تَرْجِعُ إلَى الْمَحِلِّ فَتَثْبُتُ بِقَدْرِ مَا يَقْبَلُهُ لَحْمًا وَجِلْدًا، وَقَدْ لَا تَثْبُتُ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ وَإِذَا وَقَعَ اصْطِيَادًا صَارَ كَأَنَّهُ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ غَيْرَهُ.
(وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حِسُّ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ أَهْلِيٍّ لَا يَحِلُّ الْمُصَابُ)، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ بِاصْطِيَادٍ.
(وَالطَّيْرُ الدَّاجِنُ الَّذِي يَأْوِي الْبُيُوتَ أَهْلِيٌّ، وَالظَّبْيُ الْمُوثَقُ بِمَنْزِلَتِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (وَلَوْ رَمَى إلَى طَائِرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَمَرَّ الطَّائِرُ وَلَا يَدْرِي وَحْشِيٌّ هُوَ أَوْ غَيْرُ وَحْشِيٍّ حَلَّ الصَّيْدُ)، لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ التَّوَحُّشُ.
(وَلَوْ رَمَى إلَى بَعِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا وَلَا يَدْرِي نَادٍّ هُوَ أَمْ لَا، لَا يَحِلُّ الصَّيْدُ)، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِاسْتِئْنَاسُ.
(وَلَوْ رَمَى إلَى سَمَكَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا يَحِلُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ)، لِأَنَّهُ صَيْدٌ، وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ لَا ذَكَاةَ فِيهِمَا.
(وَلَوْ رَمَى فَأَصَابَ الْمَسْمُوعَ حِسُّهُ، وَقَدْ ظَنَّهُ آدَمِيًّا فَإِذَا هُوَ صَيْدٌ يَحِلُّ)، لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ مَعَ تَعَيُّنِهِ.
(وَإِذَا سَمَّى الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّمْيِ أَكَلَ مَا أَصَابَ إذَا جَرَحَ السَّهْمُ فَمَاتَ)، لِأَنَّهُ ذَابِحٌ بِالرَّمْيِ لِكَوْنِ السَّهْمِ آلَةً لَهُ، فَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ وَجَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ: (وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهَا بِوُجُوهِهَا وَالِاخْتِلَافَ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَلَا نُعِيدُهُ.
قَالَ: (وَإِذْ وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ وَإِنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ: «كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي وَقَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» وَلِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَائِمٌ فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ أَكْلُهُ، لِأَنَّ الْمَوْهُومَ فِي هَذَا كَالْمُتَحَقَّقِ لِمَا رَوَيْنَا، إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ، وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ، وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَا تَوَارَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَبِتْ يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَمْ يَحِلَّ.
(وَلَوْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ)، لِأَنَّهُ مَوْهُومٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَاعْتُبِرَ مُحَرَّمًا، بِخِلَافِ وَهْمِ الْهَوَامِّ وَالْجَوَابُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ فِي هَذَا كَالْجَوَابِ فِي الرَّمْيِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا غَابَ عَنْ الرَّامِي، وَقَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلْته».
قُلْت: رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا، فَالْمُسْنَدُ: عَنْ أَبِي رَزِينٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الصَّيْدِ يَتَوَارَى عَنْ صَاحِبِهِ قَالَ: لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلْته»، انْتَهَى.
وكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ كَذَلِكَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَأَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَبْيٍ قَدْ أَصَابَهُ بِالْأَمْسِ، وَهُوَ مَيِّتٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَفْتُ فِيهِ سَهْمِي، وَقَدْ رَمَيْتُهُ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ أَكَلْته، وَلَكِنْ لَا أَدْرِي، وَهَوَامُّ الْأَرْضِ كَثِيرَةٌ»، انْتَهَى.
وابْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَاهٍ.
وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَبْيًا، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَصَبْت هَذَا؟ قَالَ: رَمَيْتُهُ، فَطَلَبْتُهُ، فَأَعْجَزَنِي حَتَّى أَدْرَكَنِي الْمَسَاءُ، فَرَجَعْت، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ، فَوَجَدْته فِي غَارٍ، وَهَذَا مِشْقَصِي فِيهِ أَعْرِفُهُ، قَالَ: بَاتَ عَنْك لَيْلَةً، فَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ هَامَّةٌ أَعَانَتْك عَلَيْهِ، لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَمَيْتُ صَيْدًا، فَتَغَيَّبَ عَنِّي لَيْلَةً، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ هَوَامَّ الْأَرْضَ كَثِيرَةٌ»، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ: كُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ»، انْتَهَى.
زَادَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: وَقَالَ فِي الْكَلْبِ أَيْضًا: كُلْهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، إلَّا أَنْ يُنْتِنَ، فَدَعْهُ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَفِيهِ: «وَإِنْ رَمَيْتَ بِسَهْمِك، فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْك يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِك، فَكُلْ إنْ شِئْت»، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَإِنْ رَمَيْت الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَدِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: «لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْمِي الصَّيْدَ، فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ، أَوْ الثَّلَاثَةَ، ثُمَّ يَجِدْهُ مَيْتًا، وَفِيهِ سَهْمُهُ، قَالَ: يَأْكُلُ إنْ شَاءَ»، وَلَمْ يَصِلْ سَنَدُهُ بِهَذَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ، وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ، فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ، فَيَتْبَعُ الْأَثَرَ، فَيَجِدُهُ مَيْتًا، قَالَ: إذَا وَجَدْتَ السَّهْمَ فِيهِ، وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ، فَكُلْهُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرْمِي بِسَهْمِي، فَأُصِيبُ، فَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَقَالَ: إذَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا خَدْشٌ إلَّا رَمْيَتُك، فَكُلْ، وَإِنْ وَجَدْتَ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ رَمْيَتِك، فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنْتَ قَتَلْتَهُ أَمْ غَيْرُك»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، يُبَاحُ أَكْلُهُ إذَا غَابَ مُطْلَقًا، وَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يَبِتْ، فَإِذَا بَاتَ لَا يَحِلُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ لَمْ يُؤْكَلْ)، لِأَنَّهُ الْمُتَرَدِّي، وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْمَوْتَ بِغَيْرِ الرَّمْيِ، إذْ الْمَاءُ مُهْلِكٌ، وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عَالٍ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ «قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنْ وَقَعَتْ رَمِيَّتُك فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك».
(وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً أُكِلَ)، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَفِي اعْتِبَارِهِ سَدُّ بَابِ الِاصْطِيَادِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ وَالْحِلِّ إذَا اجْتَمَعَا وَأَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَمَّا هُوَ سَبَبُ الْحُرْمَةِ تُرَجَّحُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ جَرَى وُجُودُهُ مَجْرَى عَدَمِهِ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ حَتَّى تَرَدَّى إلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ عَلَى قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَدَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ، وَمِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ عَلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَجَبَلٍ أَوْ ظَهْرِ بَيْتٍ أَوْ لَبِنَةٍ مَوْضُوعَةٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا، لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَمَلَ مُطْلَقَ الْمَرْوِيِّ فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ، وَحَمَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ بِذَلِكَ، وَحَمَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجُرَّةِ إلَّا مَا تُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ عَفْوٌ وَهَذَا أَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ مَائِيًّا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ لَا تَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا يُؤْكَلُ كَمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: وَإِنْ وَقَعَتْ رَمِيَّتُك فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: إذَا رَمَيْتَ سَهْمَك، فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قُتِلَ، فَكُلْ، إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ»، وَزَادَ مُسْلِمٌ: فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُك، انْتَهَى.
قَالَ: (وَمَا أَصَابَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ جَرَحَهُ يُؤْكَلُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ» وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الذَّكَاةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.
قَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَصَابَتْهُ الْبُنْدُقَةُ فَمَاتَ بِهَا)، لِأَنَّهَا تَدُقُّ وَتَكْسِرُ وَلَا تَجْرَحُ فَصَارَ كَالْمِعْرَاضِ إذَا لَمْ يَخْرِقْ وَكَذَلِكَ إنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ وَكَذَلِكَ إنْ جَرَحَهُ، قَالُوا: تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ ثَقِيلًا وَبِهِ حِدَّةٌ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَّةٌ يَحِلُّ لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ، وَلَوْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَجَعَلَهُ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَبِهِ حِدَّةٌ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ، لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِجُرْحِهِ، وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةِ حَدِيدَةٍ وَلَمْ تُبْضِعْ بِضْعًا لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا، فَأَبَانَ رَأْسَهُ أَوْ قَطَعَ أَوْدَاجَهُ، لِأَنَّ الْعُرُوقَ تَنْقَطِعُ بِثِقَلِ الْحَجَرِ كَمَا تَنْقَطِعُ بِالْقَطْعِ فَوَقَعَ الشَّكُّ أَوْ لَعَلَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ، وَلَوْ رَمَاهُ بِعَصًا أَوْ بِعُودٍ حَتَّى قَتَلَهُ لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ ثِقَلًا لَا جُرْحًا اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حِدَّةٌ يُبْضِعُ بَضْعًا فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنَّ الْمَوْتَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْجُرْحِ بِيَقِينٍ كَانَ الصَّيْدُ حَلَالًا، وَإِذَا كَانَ مُضَافًا إلَى الثِّقَلِ بِيَقِينٍ كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ وَلَا يَدْرِي مَاتَ بِالْجُرْحِ أَوْ بِالثِّقَلِ كَانَ حَرَامًا احْتِيَاطًا، وَإِنْ رَمَاهُ بِسَيْفٍ أَوْ بِسِكِّينٍ فَأَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَجَرَحَهُ حَلَّ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِقَفَا السِّكِّينِ أَوْ بِمِقْبَضِ السَّيْفِ لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا، وَالْحَدِيدُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ رَمَاهُ فَجَرَحَهُ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا يَحِلُّ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْمِيًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَحْتَبِسُ بِضِيقِ الْمَنْفَذِ أَوْ غِلَظِ الدَّمِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُشْتَرَطُ الْإِدْمَاءُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» شَرَطَ الْإِنْهَارَ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَاءِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَسِلْ مِنْهُ الدَّمُ قِيلَ: لَا تَحِلُّ وَقِيلَ: تَحِلُّ، وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمِعْرَاضِ: مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ، قَالَ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْك. قُلْت: وَإِنْ قَتَلَ؟ قَالَ: وَإِنْ قَتَلَ، مَا لَمْ يُشْرِكْهُ كَلْبٌ، لَيْسَ مَعَهُ. قُلْت: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ، فَأَصِيدُ، قَالَ: إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ، فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَقَتَلَ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ».
قُلْت: مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ.
قَالَ: (وَإِذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أُكِلَ الصَّيْدُ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَلَا يُؤْكَلُ الْعُضْوُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أُكِلَا إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ، فَيَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ كَمَا إذَا أُبِينَ الرَّأْسُ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ، لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمًا، لِأَنَّهُ تُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ، وَلِهَذَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ حَيًّا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَحْرُمُ، وَقَوْلُهُ أُبِينَ بِالذَّكَاةِ، قُلْنَا: حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ ذَكَاةً لِبَقَاءِ الرُّوحِ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَ زَوَالِهِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَلَا تَبَعِيَّةَ لِزَوَالِهَا بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ هَذَا الْحَرْفُ هُوَ الْأَصْلَ، لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَحِلُّ، وَالْمُبَانُ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا يَحِلُّ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةٌ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ، فَإِنَّهُ حَيَاةٌ صُورَةً لَا حُكْمًا وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَبِهِ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَا يَحْرُمُ فَتُخَرَّجُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ فَنَقُولُ إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي.
(وَلَوْ قَدَّهُ بِنِصْفَيْنِ أَوْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ، أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ: يَحِلُّ الْمُبَانُ وَالْمُبَانُ مِنْهُ)، لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا إذْ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ بَعْدَ هَذَا الْجُرْحِ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ تَنَاوَلَ السَّمَكَ وَمَا أُبِينَ مِنْهُ فَهُوَ مَيِّتٌ إلَّا أَنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ، فَهُوَ مَيْتٌ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» انْتَهَى.
لِأَبِي دَاوُد، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ أَتَمُّ، ثُمَّ قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ، وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» انْتَهَى.
وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالدَّارِمِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ فِي آخِر الضَّحَايَا، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي الذَّبَائِحِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: {مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ}، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ بْنُ الرَّبِيعِ ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى بِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي: الْمُسْتَدْرَكِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، انْتَهَى.
قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ ثَنَا ابْنُ نَافِعٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ قَطْعِ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، وَجَبِّ أَسْنِمَةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتٌ» انْتَهَى.
وقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْمِسْوَرُ بْنُ الصَّلْتِ مُسْنَدًا، وَخَالَفَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، فَأَرْسَلَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَعِيدٍ، وَلَا نَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا الْمِسْوَرَ بْنَ الصَّلْتِ، وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ. انْتَهَى.
وفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ أَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلَمْ أَجِدْهُ مُرْسَلًا، إلَّا فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَجُبُّونَ الْأَسْنِمَةَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، الْحَدِيثَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ مُجَاهِدٍ، قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، وَأَسْنِمَةَ الْإِبِلِ، فَذَكَرَهُ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إلَّا الْمِسْوَرَ، فَقَدْ تَابَعَ الْمِسْوَرَ عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ هِلَالٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَابَعَهُ أَيْضًا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيْتٌ»، انْتَهَى.
وقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ خَارِجَةُ فِيمَا أَعْلَمُ، انْتَهَى.
ورَوَاهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَضَعَّفَ خَارِجَةَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَمَشَّاهُ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنَّهُ يَغْلَطُ، وَلَا يُعْتَمَدُ. انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: الْمِسْوَرُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَالْمِسْوَرُ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ نَاسًا يَجُبُّونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ، وَهِيَ أَحْيَاءٌ، قَالَ: مَا أُخِذَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَهُوَ مَيْتَةٌ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَابْنُ الْهُذَلِيِّ، وَاسْمُهُ: سَلْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ عَنْ أَحَدٍ.
(وَلَوْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا يَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ) وَيُكْرَهُ هَذَا الصَّنِيعُ لِإِبْلَاغِهِ النُّخَاعَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا إنْ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّ (وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَلَمْ يُبِنْهُ، إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الِالْتِئَامُ، وَالِانْدِمَالُ فَإِذَا مَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ)، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي.
قَالَ: (وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ)، لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي إبَاحَةِ الصَّيْدِ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ، لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ اخْتِيَارًا فَكَذَا اضْطِرَارًا.
قَالَ: (وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَلَمْ يُثْخِنْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَيُؤْكَلُ)، لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَ».
(وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَثْخَنَهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلَمْ يُؤْكَلْ) لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِالثَّانِي، وَهُوَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ لِلْقُدْرَةِ عَلَى ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَنْجُو مِنْهُ الصَّيْدُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَوْتُ مُضَافًا إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ، يَحِلُّ، لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي، لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ بِمَنْزِلَةٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الذَّبْحِ بِأَنْ كَانَ يَعِيشُ يَوْمًا أَوْ دُونَهُ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيِ الثَّانِي، لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَحْرُمُ، لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَصَارَ الْجَوَابُ فِيهِ وَالْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ سَوَاءٌ فَلَا يَحِلُّ.
قَالَ: (وَالثَّانِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ لِلْأَوَّلِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ)، لِأَنَّهُ بِالرَّمْيِ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ، لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالرَّمْيِ الْمُثْخَنِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ بِجِرَاحَتِهِ، وَقِيمَةُ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْإِتْلَافِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَأْوِيلُهُ: إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ الصَّيْدُ مِنْهُ، وَالثَّانِي بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ الصَّيْدُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ كُلُّهُ مُضَافًا إلَى الثَّانِي، وَقَدْ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمُلًا، كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ، ثُمَّ يَضْمَنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يُضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ، فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ أَوَّلًا.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ، فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ، لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ، وَالثَّانِيَةُ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِأَنَّ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي فَهَذَا بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ، لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مَرَّةً فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا، فَالْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّامِي غَيْرَهُ وَيَصِيرُ كَمَا إذَا رَمَى صَيْدًا عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَأَنْزَلَهُ لَا يَحِلُّ، لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحَرَّمٌ كَذَا هَذَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَجَدْتُ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدُونٍ، قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ: كُنْتُ يَوْمًا عِنْدَ الرَّشِيدِ أُغَنِّيهِ، وَهُوَ يَشْرَبُ، فَدَخَلَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لَهُ: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: خَرَجَ إلَيَّ ثَلَاثُ جَوَارٍ: مَكِّيَّةٌ، وَالْأُخْرَى مَدَنِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى عِرَاقِيَّةٌ، فَقَبَضَتْ الْمَدَنِيَّةُ عَلَى آلَتِي، فَلَمَّا أَنْعَظَ، قَبَضَتْ الْمَكِّيَّةُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ الْمَدَنِيَّةُ: مَا هَذَا التَّعَدِّي، أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، فَقَالَتْ الْمَكِّيَّةُ: أَلَمْ تَعْلَمِي أَنْتِ أَنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، لَا لِمَنْ أَثَارَهُ»، فَدَفَعَتْهُمَا الثَّالِثَةُ عَنْهُ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ، وَقَالَتْ: هَذَا لِي وَفِي يَدِي حَتَّى تَصْطَلِحَا، انْتَهَى.
قَالَ: (وَيَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَالصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ.
قَالَ قَائِلُهُمْ: صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ وَإِذَا رَكِبْت فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ وَلِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ كُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الصَّوَابَ.